انا والقرآن
في قرية هادئة بين الجبال، عاش شاب يُدعى "سليم". كان سليم يعيش حياة عادية، لكنه كان دائمًا يؤجل قراءة القرآن، مؤمنًا بأن لديه الوقت الكافي ليعود إليه لاحقًا. كلما رأى المصحف على رف غرفته، كان يقول في نفسه: "غدًا سأبدأ، ما زال لدي الوقت."
وفي ليلة ظلماء، حيث غطت السحب الكثيفة القمر، غرق سليم في نوم عميق. لكن نومه هذه المرة كان مختلفًا؛ فقد وجد نفسه فجأة في غابة كثيفة الأشجار. كانت الأشجار طويلة ومتشابكة، تمتد فروعها كالأيدي لتعيق طريقه. كان الهواء باردًا، وجافًا، ينفذ إلى عظامه، وكلما خطا خطوة، ازداد الظلام من حوله، وكأن الغابة تبتلعه.
بعد فترة من السير بين الأشجار، توقف سليم فجأة عندما رأى أمامه مشهدًا مرعبًا. كان هناك قبر قديم، محفور في الأرض، وكان مفتوحًا على مصراعيه. بجانب القپر، رأى المصحف، لكنه كان مغلقًا ومغطى بطبقة كثيفة من الغبار، وكأنه لم يُفتح منذ زمن طويل.
أحس سليم بړعب يجتاحه، وكأن القپر يناديه، يجذبه بقوة لا يستطيع مقاومتها. حاول أن يبتعد، أن يهرب، لكن أقدامه كانت ثقيلة، وكأن الأرض تجذبه نحو القپر. كلما حاول المقاومة، شعر بأن شيئًا خفيًا يقيد حركته، يمنعه من الهرب.
بينما كان القپر يقترب منه أكثر فأكثر، سمع سليم صوتًا ينبعث من داخله، صوتًا خافتًا مليئًا بالحزن والأسى، يقول: "يا أنا، لماذا هجرت القرآن؟ لماذا تركتني وحيدًا في ظلامك؟ ألم تعلم أنه نورك الوحيد؟"
كانت تلك الكلمات تخترق روحه، تزيد من ثقله وحزنه. شعر بأن قلبه يثقل أكثر وأكثر، وكأن حملًا كبيرًا يجثم على صدره. أصبح التنفس صعبًا، وكانت الأجواء حوله تضيق كأن الغابة نفسها تنغلق عليه. وعندما أصبح قريبًا من حافة القپر، توقف مصدومًا.
رأى سليم شيئًا لم يكن يتوقعه. هناك، في عمق القپر، رأى نفسه مكفنًا بالداخل. الظلام كان يزداد كثافة، وكأن القپر يبتلع الضوء، وكل شيء حوله يتحول إلى سواد دامس. حاول الصړاخ، لكنه لم يستطع، وكأن صوته قد اختنق في حلقه.
ثم، في لحظة مرعبة، بدأت جدران القپر تضيق عليه، والكفن يلتف حوله بإحكام. شعر بأن الهواء ينفد، وأن الظلام يبتلع روحه. كان كل شيء ينهار، حتى لم يعد يرى شيئًا سوى العتمة المطلقة. وبينما كان يختنق في ظلام القپر، انطلقت من أعماقه صړخة أخيرة: "رب ارجعون...!"
في تلك اللحظة، وسط الظلام الدامس، اڼفجر نور قوي من المصحف بجانب القپر. كان نورًا ساطعًا، ملأ الغابة بأكملها، مزق الظلام وأضاء كل شيء من حوله. شعر سليم بأن الكفن يتفكك، وجدران القپر تتراجع، والهواء النقي يعود إلى رئتيه.
استيقظ سليم من كابوسه، مغطى بالعرق وعيناه تفيضان بالدموع. كان قلبه ينبض پعنف، لكنه أدرك أن الله منحه فرصة أخرى، فرصة ليعود إلى القرآن قبل فوات الأوان. نهض بسرعة، وأخذ المصحف بين يديه، وبدأ يقرأ بتركيز وخشوع، وكأن حياته تعتمد على كل حرف يمر به.
منذ ذلك اليوم، لم يعد سليم يترك القرآن أبدًا. كل صباح كان يبدأ بنور جديد، مليء بالأمل والنور، عازمًا على ألا يعود إلى ذلك الظلام أبدًا، متأكدًا أن القرآن هو الحصن الوحيد الذي سيحميه من أي ظلام قد يأتي في المستقبل.