روايه صرخه على الطريق (من الجزء الأول إلى الاخير كامله) بقلم دفنه عمر
عشر
طغيان الشوق اكتسح روحه وهو يتتبع أبيه حيث غرفته سيل المفاجأت والخبايا لا يزال يهطل من سماءه منحة بعد منحة يتلقاها جسار وداخله يذوب حمدا لله من فرط كرمه بعد أن كاد اليأس ېمزق خافقه ولأنه عاش عمرا لا يدري شيئا عن والدته صار بتسأل مثل طفل لحوح فضولي
كلمني عن ماما يا بابا
كانت بتحب ايه
ملامحها تشبهني
أكيد كانت جميلة صح
ليها معاك صور
أسئلة انسابت من شفتيه وهو يجالس والده فرمقه أمين بحنان طاغي وتركه في موضعه متوجها لزاوية ما بغرفته ومن إحدي الأرفف الموصودة بخزانته جلب له ألبوم صور قديم يحتفظ بين صفحاته بذكراياته القصيرة مع زوجته الراحلة ريحانة
انتزاعه جسار من يد أبيه بلهفة شديدة و راح يتصفح ألبوم الصور المكتظ ملامحها الحبيبة ليتآوه قلبه وهو يرى ملامح والدته للمرة الأولى وعيناه تحتضن محياها بشغف سحابة دموعه تكثفت وفاضت من عينه لتنهمر دون شعوره وهو ينهل من صورها القديمة وهي شابة جميلة هنا تبتسم هنا تضحك هنا تتعانق بأناملها مع أنامل والده هنا تأكل
خسارة مش واخد من ملامح أمي حاجة
قالها جسار بحسرة حقيقية ليهتف والده أنت واخد شعرها وشكل الحاجب ووارث منها حساسيتك للألبان
راقبه جسار وجذوة لهفته لا تنطفيء و والده يتركه وقت قصير ليعود ومعه حقيبة كبيرة فض له ما فيها ليبصر جسار ملابس متنوعة وأشياء كثيرة تخص طفل رضيع وأبيه يوضح
دي هدوم ولعب والدتك كانت اشتريتهم عشانك لما وصل حملها فيك للشهر السابع دي كل حاجتك اللي هي أختارتها بذوقها كانت بتنتظرك بفارغ الصبر سبحان الله ماكانش ليك فيهم نصيب يا ابني كأنهم اتجابو لولادك مش ليك انت
بحرص كبير كأنه يحتوي بين يديه ماسة غالية التقط جسار قطع الملابس الصغيرة وراح يتشمم عبقها بشوق وعين خياله تجسد له والدته أمامه وهي تبتسم القدر كان رحيم به ادخر له هداياها لتكون زاده وزواده بعد الفراق كل قطعه ملابس تحكي له شيء عنها الألون التي كانت تفضلها ذوقها الرقيق حتى في ألعابه الصغيرة أوعدك اعوضك كل اللي فات من اللحظة دي هتاخد كل حاجة أولهم أسمي انت كبير عيلة أمين الرشيدي كل اللي املكه بقي ليك
مبروك رجوع ابنك يا أمين
رغم أن عودة أبنه رحمة من رب العالمين ليكون سندا له ولشقيقته سارة وابنتها الوحيدة إلا أن شعور الغيرة بدأ يثقب قلبها بسهامه الچارحة بعد هذا العمر وهي تسمع أمين زوجها يحدث ابنه جسار و يتغنى بسيرة والدته ريحانة ويذكرها له بحنان كأن رجوع
تنهدت صابرين بقلة حيلة هي بكل الأحوال تخفي مشاعرها تلك ولن يعلم عنها أحد
الله يبارك فيكي يا صابرين ربنا كريم وحفظلي ابني ورجعه لحضني تاني
تبسمت له بتوتر الحمد لله يا أمين أن ربنا جمعكم
لاحظ غموضا بعيناها وطيف حزن تحاول إخفاءه فتسال باهتمام مالك يا غالية
أبدا مافيش حاجة
امسك كفها برفق و قال لو بعد العمر ده كله ماعرفتش اقرا عيون مراتي يا صابرين يبقي اللي بينا ماكانتش عشرة
حدجته مليا قبل أن تهمس وعيوني بتقولك ايه يا امين
منحها ابتسامة رائقة وهو يخبرها بتقولي انك ماتعرفيش غلاوتك عندي يا شريكة العمر
برقت مقلتيها برضا فاستطرد أنتي عشرة
سنين طويلة عشنا فيها كل حاجة ام بنتي ونور عيوني الصدر الحنين اللي بلاقيه لما احتاجه
لمعت عيناها بسحابة دموع من إظهار مشاعره بما ترضاها وربت على قلبها وهو يواصل موضحا لها كلامي عن ريحانة والدة جسار ده حقه عليا لأنه اتحرم من أمه أقل حاجة اعوضه بيها اني اكلمه عنها ده مسكين ما داقش حنانها لحظة واحدة لو تشوفي وهو بيتفرج علي صورها ولعبه اللي كانت جايباها عشانه كأنه رجع طفل صغير حسيت انه كان مبسوط وناسي الدنيا ده كل اللي ناله من أمه يا صابرين سيرة حلوة وشوية لعب وهدوم على ذوقها لولاده إن شاء الله ده يزعلك في حاجة
كأنه أزال عنها غشاوة وغبرة الغيرة بكلماته هذه كيف تغار وكل ما ورثه هذا الصغير حفنة ذكرايات ردت له روحه وروت بعض ظمأه ذكرايات ارتشفها من شفتي أبيه وهو يحاكيه عنها غيرتها حقا أعمتها عن حقيقة ما يجري
حقك عليا يا أمين
قالت بعد أن خجلت من ذاتها ولامت ضميرها سرا فأجابها متفهما ماتقوليش كده أنا عارف انك أطيب مخلوقة وانك هتكوني أم تانية لجسار مش كده
ابتسمت وربتت علي كتفه هو وسارة ولادي ومفيش فرق بينهم يا أمين اطمن وربنا يراضيه ويفرحنا بولاده
يارب يا صابرين يارب
كأني بسمع عن قصة لفيلم هندي
هكذا تعجب أدم بعد أن قصت عليه سارة كل ما حدث لتجيب الأخيرة هي فعلا قصة غريبة بس حقيقية جسار طلع أخويا يا آدم عشان كده كنت بحب اكون قريبة منه ومتعلقة به مشاعري ناحيته كانت مختلفة عن اللي بحسها ناحيتك ودلوقت عرفت السبب
تنهد بقوة مع قوله واخيرا مش هغير منه عليكي خلاص طلع اخوكي
ابتسمت قائلة يعني كنت بتغير
كنت بټحرق مش بس بغير أنا اشتغلت معاكي في مكتبه
مخصوص لأن ما اتحملتش تكوني معاه لوحدك وبعيد عن عيوني
رمقته بحب تجلى بين عيناها للدرجة دي كنت بتحبني
منحها أكثر نظراته عشقا هاتفها بخفوت أنا بحبك حب انتي لسه ماتعرفيش عنه غير القشور يا سارة بكرة الأيام تجمعنا وهتفهمي
ومين قالك مش فاهمة أنا كمان بحبك يا أدم
تآوه بلوعة ياااااه لو كنا متجوزين دلوقت
ضحكت وقالت كنت هتعمل ايه يعني
غمز بإحدي عيناه الإجابة هتوصلك عملي بعد كتب الكتاب
ضحكت ثانيا بخجل ونهضت تهتف طب يلا بقي يا استاذ وصلني البيت وبعدين روح نام وارتاح
علي مضض نهض ليفعل وكله شوق ليجتمع بحبييته تحت سقف بيته
جسار أمين الرشيدي
تحسس بانتشاء أسمه المنقوش فوق قالب صغير يعلوا مكتبه في شركة والده عادت هويته وتبدل نسبه ليصبح شرعا وقانونا أبن المهندس أمين الرشيدي أستقام براحة علي ظهر مقعده مستعيدا بعض التفاصيل الماضية منذ علم انتمائه
لتلك العائلة الحفل العائلي الذي تم علي شرفه ترحيب الجميع به وحبهم الذي ادخره
له قدره لم يعد ينقصه سوى أن يري صغار أصحاء من صلبه هو تنهد وهو يناشد ربه سرا بتحقيق هذا الحلم وتكون شمس هي من تحملهم بأحشائها
قاطع خلوته القصيرة طرقا على باب مكتبه فصاح سامحا بالدخول لتهتف السكرتيرة
الاستاذ أشرف طالب يقابل حضرتك يا جسار بيه
أمرها قائلا باهتمام خليه يتفضل بسرعة
بترحيب كبير حبيبي يا أشرف فينك يا ابني وحشتني
وانت أكتر انت اللي فينك مختفي ومش بتيجي حتي المكتب من فترة قلقتني عليك
لا اطمن بالعكس انا عندي ليك أخبار مش هتصدقها من غرابتها وسرعة احداثها في نفس الوقت
خير قلقتني
الأول تشرب ايه عشان الكلام هيطول
قهوة أمر بإحضار اثنين من القهوة ثم بدأ يسرد كل ما حدث معه لتتصاعد دهشة أشرف حتي هتف أخيرا معقول كل ده حصل وفي الفترة البسيطة دي سبحان الله يا جسار عشان كده كنت بترتاح لسارة
لأ ومراتي طلعت أصلا بنت عمي
طب هي عاملة ايه دلوقت
اصطبغ وجهه ببعض الحزن مخبيش عليك يا أشرف شمس تعبانة نفسيا من وقت كلام الدكتور للأسف قرابة الډم بنا كان تمنها أن ذريتنا تبقي مشوة
بس ده مش أمر مسلم بيه ربنا موجود وقادر يعمل المعجزات
يارب يسمع منك
طب وجدك
جدي ده قطع قلبي وصعب عليا أوي يا أشرف تصور افتكرني هنسحب من حياته مايعرفش اني مقدرش ابعد عنه وروحي فيه
تمام بإعجاب أصيل طول عمرك ياجسار ربنا يراضيك يا صاحبي
تسلم ياغالي
قاطعهما اتصال أبيه ليغمغم صديقه طب اسيبك بقي تروح لوالدك ومعادنا بكره
ثم الټفت إليه وقال علي فكرة ماما مستنية تيجي بمراتك عشان العزومة اللي قولنا عليها وكمان تجيب رائف معاك ماهو بقي خطيب اختي بقي
ضحك جسار ده ما هيصدق خلاص هشوف شمس و في اقرب وقت هعرفك
منتظرك سلام
نعم يا بابا
رمقه أمين بتلك النظرة الأبوية الدافئة ومشاعره المستحدثة تطفو بين عيناه قائلا
تعالي ياحبيبي عايز اكلمك في حاجة مهمة
اتفضل يا بابا
أدم خطيب اختك كلمني امبارح انه عايز يحدد فرحه الشهر الجاي ايه رأيك
الرأي لحضرتك
اولا وبعدين سارة نفسها
ابتسم له بمحبة لأ ازاي بقى انت اخوها الكبير ورأيك يساوي رأيي أنا شخصيا
راقه شعور انه لرأيه وزن وقيمة في حياة عائلته بعد أن كان مهمشا مع من ظنهم أبويه ليبادر بإخبار أبيه بما يراه مناسبا
بصراحة رأيي مادام هو جاهز يتجوز يبقي مافيش داعي للتأجيل بالعكس انا نفسي افرح بسارة أختي في بيتها واشوف ولادها كمان
راقه رأي جسار فوافقه الرأي عندك حق يا ابني خلاص الفرح الشهر الجاي بإذن الله
واستطرد دود قولي بقى اخبارك ايه في الشغل الدنيا تمام معاك
الحمد لله يا بابا سواء هنا او في المكتب الدنيا تمام والبركة في أشرف وأدم تقريبا لولاهم كنت مقدرتش اشيل المكتب لوحدي مع الشركة
ربنا يبارك فيهم ويديم المعروف بينكم
واستأنف امين تعرف اني عرضت على أدم يشتغل معانا ورفض
جسارليه
أمين من خلال معرفتي بشخصيته الولد ده عزيز النفس جدا واعتقد موضوع انه يتقال عليه اهل مراته مشغلينه هيضايقه عشان كده فضل يبقي شغال مع نفسه
والله مش غلط أنه يكون عفيف النفس وعموما حضرتك عرضت عليه ومقصرتش ربنا يوفقه مكان ما يكون
اللهم امين ربنا يسعده هو واختك واشوف ولأدكم كلكم
احتل وجه جسار بمسحة حزن لاحظها ابيه فقال داعما له بقوة
اتعشم في ربنا خير يا ابني ده مفيش حاجه تكتر عليه
تنهد ببعض الحزن داخله ونعم بالله يا بابا طيب هستأذن حضرتك عايز اعدي علي جدي نادر اطمن عليه واشوف رائف بقالنا كتير مش بنتقابل
طب ابقي وصل سلامي ليهم
حاضر يوصل
تم تحديد موعد زفاف سارة وأدم وراح الجميع يستعد لتلك المناسبة حتى أتى موعدها وبقاعة